تقدم في علاج الصرع المقاوم للأدوية
أظهرت دراسة حديثة صادرة عن Mayo Clinic أن التحفيز العميق المخصص للدماغ قد يُشكّل نقلة نوعية في علاج حالات الصرع التي لا تستجيب للعلاجات الدوائية التقليدية.
هذا النوع من الصرع يُعرف بـ”الصرع المقاوم للأدوية“، ويصيب نحو ثلث مرضى الصرع حول العالم، مما يجعل البحث عن بدائل علاجية أمرًا حيويًا.

الصرع المقاوم للأدوية: نظرة عامة
الصرع مرض عصبي مزمن يتميز بنوبات متكررة ناجمة عن نشاط كهربائي غير طبيعي في الدماغ. وبينما يستطيع العديد من المرضى السيطرة على النوبات بالأدوية، يُعاني آخرون من صرع لا يستجيب للعلاج الدوائي، ما يزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب، وفقدان الوظائف، وحتى الإصابات الجسدية.
تشير التقديرات إلى أن نحو 30% من مرضى الصرع يعانون من نوبات غير قابلة للسيطرة الدوائية، مما يحدّ من قدرتهم على القيادة، أو العمل، أو عيش حياة اجتماعية طبيعية. هذه الحالات تتطلب تدخلاً جراحيًا أو تقنيًا أكثر تقدمًا.
ما هو التحفيز العميق للدماغ (DBS)؟
التحفيز العميق للدماغ هو إجراء جراحي دقيق يتم خلاله زرع أقطاب كهربائية في مناطق معينة من الدماغ.
هذه الأقطاب ترتبط بجهاز يُزرع تحت الجلد في الصدر، وتقوم بإرسال نبضات كهربائية لتحفيز الخلايا العصبية وتنظيم نشاطها.
يُستخدم هذا العلاج بنجاح منذ أكثر من عقدين في اضطرابات مثل مرض باركنسون والرعاش الأساسي، حيث ساعد آلاف المرضى في تقليل الأعراض وتحسين نوعية الحياة. واليوم، يتم تكييفه بذكاء لعلاج أنواع محددة من الصرع التي ثبت فشل العلاجات التقليدية في السيطرة عليها.
دراسة Mayo Clinic: نهج مخصص وذكي
في دراسة نُشرت في مجلة Brain Communications، طبّق باحثو Mayo نظام تحفيز مخصص قادر على تحليل أنماط النشاط الدماغي وتعديل النبضات الكهربائية تلقائيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي.
شملت الدراسة خمسة مرضى يعانون من صرع الفص الصدغي المقاوم.
تميز هذا النظام بقدرته على تتبع التغيرات الدقيقة في إشارات الدماغ وتكييف الاستجابة العلاجية في الوقت الفعلي، ما يُعد قفزة كبيرة مقارنة بالأنظمة التقليدية التي تعمل على نمط تحفيز ثابت.
وتم تزويد الجهاز بمعالجات دقيقة قادرة على رصد الإشارات العصبية وتحليلها بذكاء للتنبؤ بالنوبة قبل وقوعها.

نتائج أولية مشجعة
- انخفاض كبير في عدد النوبات لدى معظم المشاركين
- تحسن في مؤشرات النوم والذاكرة والانتباه
- انخفاض القلق المرتبط بتوقع النوبات
- القدرة على تتبع الحالة العصبية للمريض لحظة بلحظة
كما أظهرت صور الرنين المغناطيسي تغيرات إيجابية في مناطق الدماغ المرتبطة بالنوبات.
أحد المرضى في الدراسة، شاب يبلغ من العمر 27 عامًا، أشار إلى أنه تمكن للمرة الأولى منذ سنوات من النوم لثماني ساعات دون أي نوبة.
التحفيز مقابل الأدوية التقليدية
الأدوية المضادة للصرع تعمل على تثبيط النشاط الكهربائي الزائد، لكنها تؤثر على الدماغ ككل وقد تُسبب آثارًا جانبية شديدة مثل التعب، تغيّر المزاج، أو مشاكل في التركيز.
أما التحفيز العميق فيستهدف منطقة واحدة فقط، ويُعدل الإشارات بدقة، مما يتيح فعالية أكبر وتأثيرات جانبية أقل في العديد من الحالات.
وتشير الدراسات الحديثة إلى أن دمج التحفيز مع العلاج الدوائي قد يمنح نتائج مضاعفة في الحالات المزمنة، ويُقلل من حاجة المريض لتناول أدوية بجرعات عالية.
اقرا ايضا : تجربة لقاح جديد لسرطان الجلد في بريطانيا
تحديات ومخاطر محتملة
مثل أي إجراء جراحي، ينطوي DBS على مخاطر، منها:
- خطر العدوى في موقع الزرع
- احتمال الحاجة إلى إعادة برمجة الجهاز بانتظام
- تكلفة مرتفعة قد لا تغطيها جميع أنظمة التأمين
- الحاجة لمتابعة طبية متقدمة ومتخصصة
لكن هذه التحديات تُقابلها معدلات رضا عالية بين المرضى، خاصة في ظل تحسن جودة الحياة بعد العلاج.

المستقبل: الذكاء الاصطناعي والعلاج العصبي
مع توافر معالجات دقيقة وبرمجيات تعلم آلي متقدمة، تتجه الأبحاث نحو تطوير أنظمة ذاتية التعلم تستطيع التنبؤ بالنوبات قبل حدوثها بدقائق، وضبط التحفيز بما يمنعها بالكامل.
هذه التقنيات قد تُغيّر مستقبل مرضى الصرع، وتجعلهم يعيشون حياة أكثر استقرارًا واستقلالية.
ويُعمل حاليًا على دمج هذه الأجهزة مع تطبيقات الهاتف المحمول لمتابعة الحالة لحظيًا.
اقرا ايضا : اتفاق دولي جديد لتعزيز الاستجابة العالمية للأوبئة المستقبلية
آراء الخبراء
الدكتور كايلي أندروود، أخصائي الأعصاب في Mayo Clinic، صرّح قائلاً:
“نحن لا نتحكم في الصرع فقط، بل نُعيد برمجة الدماغ ليعمل بطريقة صحية أكثر. إنها بداية جيل جديد من العلاجات الشخصية العصبية.”
كما علّقت الجمعية الأمريكية للصرع بأن هذا النوع من التحفيز “قد يُنقذ حياة آلاف المرضى الذين لم يعد لديهم بدائل أخرى”.
خلاصة
يمثل التحفيز العميق المخصص للدماغ تقدمًا علميًا وإنسانيًا مهمًا في رحلة البحث عن علاج فعّال للصرع المقاوم للأدوية.
ومع كل تجربة ناجحة، تزداد احتمالات أن يصبح هذا الخيار متاحًا على نطاق أوسع، ليمنح الأمل لمن ظنوا أن العلاج بعيد المنال.
ومع استمرار الابتكار والتكامل مع الذكاء الاصطناعي، يبدو المستقبل أكثر إشراقًا لهؤلاء المرضى.
المحتوى على موقع المارستان مُخصص للتوعية فقط، ولا يُعد بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة. يُرجى استشارة طبيب مختص قبل اتخاذ أي قرارات صحية. الموقع غير مسؤول عن أي استخدام غير صحيح للمعلومات الواردة.
صفحة إخلاء المسؤولية الكاملة
المصادر
- Mayo Clinic News Network. (2025, April).
New study in Brain Communications finds personalized deep brain stimulation shows promise for drug-resistant epilepsy.
https://newsnetwork.mayoclinic.org/discussion/new-study-in-brain-communications-finds-personalized-deep-brain-stimulation-shows-promise-for-drug-resistant-epilepsy/ - Mayo Clinic. (2025).
Deep brain stimulation – Overview.
https://www.mayoclinic.org/tests-procedures/deep-brain-stimulation/about/pac-20384562
Mayo Clinic News Network. (2025, April).
Mayo Clinic researchers lead transformative shift toward neurorestorative treatment strategies for most severe forms of epilepsy.
https://newsnetwork.mayoclinic.org/discussion/mayo-clinic-researchers-lead-transformative-shift-toward-neurorestorative-treatment-strategies-for-most-severe-forms-of-epilepsy/
يخضع المحتوى الطبي في موقعنا لمراجعة دقيقة من قبل أطباء متخصصين للتأكد من دقته وحداثته وفق أحدث الإرشادات الطبية.
تعرف على عملية المراجعة العلمية